top of page

الثبات على المبدأ

إن القيم والمبادئ المثالية هي نتاج رقي وحضارة الأمم والشعوب، فهي التي تعكس مدى تأثير التعليم والمباديء الإيجابية في الناس، وكلما إرتقت الدول في قيمها ومبادئها دلّ ذلك على تطوّرها وازدهارها، وكلما إبتعدت عن المباديء الإيجابية دلّ ذلك على جهلها وتخلفها. ومن أهم المباديء تلك التي توفر الحياة الكريمة للإنسان وتنشر الأمان والإستقرار في شتى المجالات وبالتالي إنعكاس ذلك على سعادة وحرية المجتمع.

لذلك فإن الثبات على هذه المباديء والعمل على تطويرها ونشرها في المجتمع من أهم التحديات التي قد تواجه الشعوب والأمم، ويجب وضع الخطط المناسبة لذلك عن طريق الإلتزام بها وتعليم الأجيال القادمة كيفية الثبات عليها. إن الثبات على المبدأ في المواقف الصعبة والتي يكون الحق فيها هو الهدف يعتبر من أرقى التحديات التي يجب على الدول والشعوب التمسك بها والعمل على نشرها بين كافة أطياف المجتمع.

المبادئ الإلهية السامية

تعتبر المبادئ الإسلاميّة بمميزاتها الخاصة من أكمل وأفضل المبادئ، فهي تتوافق مع التكوين الخُلقي والفطرة الإلهية للإنسان. وهذا لا ينتقص من مباديء الأديان والمعتقدات الأخرى بل هي تكملها بطريقة لا تدع مجال للشك أن الله قد خلق الكون لهدف واحد فقط وهو المعاملة الإنسانية العادلة بين جميع الخلائق والعيش بعزة وكرامة وذلك عن طريق إتباع المباديء الإلهية السامية.


ورجوعا للمباديء الإسلامية فإننا نلمس مدى حرص هذا الدين السامي على نشرالعدل والمساواة بين جميع البشر في الحقوق والواجبات، وهذا لا يتوفر في الأديان والمعتقدات الأخرى بالطريقة الأسمى حيث قد تداخلت القوانين والشرائع الوضعية مع حقيقة ما شرعه الله لجميع الخلائق من عدل ومساواة. والدليل على ذلك ظهور حضارة عريقة وأخلاق حميدة عند المسلمين في صدر الإسلام في وقت كانت الأمم الأخرى تعيش في جهل وتخلف وظلم للفئات الفقيرة، والفضل في ذلك يعود لتعاليم الإسلام التي تحث على الفضيلة والمساواة بين جميع فئات البشر.

وقد أدى تخلي الأمم العربية والمسلمة عن هذه المباديء إلى وصولها إلى هذه الحالة من التخلف والمعاملات الغير عادلة بين كافة أطياف المجتمع، بينما المجتمعات الغير مسلمة إستخدمت مبادئنا الأصيلة لدفع عجلة التقدم والرقي في مجتمعاتهم فأصبحت تسبقنا في مجالات العلوم والحرية والحياة الكريمة لأفراد شعوبها.

وقد كان الرسول الأعظم صل الله عليه وسلم خير مثال للإنسان الثابت على مبادئه، فقد كان هو وصحابته يحمون هذه المباديء بأرواحهم وأموالهم ويضحون في سبيلها بكل ما يملكون وذلك حتى تكون كلمة الله الحق هي العليا في توفير الحياة الكريمة لجميع البشر بلا إستثناء، وقد كانوا ثابتين في مبادئهم وقيمهم بغض النظر عن كم المؤامرات والظلم الذي كانوا يتعرضون له من المشركين والظالمين وقد إستطاعوا بهذا الثبات أن يدحروا قوى الظلم والكفر ورفعوا راية التوحيد والعدل والمساواة في الكثير من أصقاع الأرض.


أصناف الناس في ثباتهم على المبادئ

  • إنسانٌ ثابت على مبادئه مهما كانت الظروف صعبة وقاسية: يثبت على المبدأ الذي يتّخذه ولا يتراجع أو يتزحزح عنه مهما كلّفه الأمر، وقد يبلغ به الثبات الشديد إلى التطرّف في مجالٍ معيّن بغض النظر عن صحة وجهة نظره من عدمها، وهذا يحسب له في الصدق والإخلاص والمتانة والأخلاق الحميدة إن صحت نيته، بشرط ألّا يصل بثباته إلى درجة التعصب الباطل والثقة العمياء.

  • إنسان ثابت على مبدأ معيّن اليوم ولكنه قد يتخلى عنه إن كان ضد مصلحته: غير صادقٍ في مشاعره وفكره تجاه المعنى الحقيقي للمبدأ الإيجابي، وقد يكون ذلك بسبب ضعف الوازع الأخلاقي والديني لديه، فلا دين له ولا صديق ولا رفيق ولا حبيب في سبيل تحقيق مآربه الشخصية، وقد يكون غير قادر على الثبات في تحقيق النجاح الإيجابي في علاقاته، فيفقد الناس ثقتهم به، ويصبح لا يؤتمن ولا يصدّق.

  • إنسان يملك الحس الأخلاقي ولكن لا يستطيع الثبات على المبدأ المثالي: متذبذب في في إتخاذ القرار الصحيح للمواقف التي يواجهها ويصبح مشوشا في توجهه إن كان قراره في مصلحته أو قد يلحق به الضرر, وقد يتخذ قرارا يضر بالآخرين خوفا أن يتضرر هو من إتخاذ موقف آخر وهذا النوع تكون حياته مشوشة ودائما ترى قراراته غير سوية ولو كان يملك الحس الإخلاقي.

الخلاصة مما سبق ومن الناحية الأخلاقية والدينية، فمن الناس من جمع الله له بين حسن الخلُق والديانة فهذا مبدأه ثابت؛ فقُربهم مغنم وصحبتهم عافية في الدين والدنيا. يدلونك على الخير، ويحثونك عليه بأفعالهم قبل مقالهم، فتراهم معظمين لله، مسارعين في الخير، لدينهم في نفوسهم قدر عظيم، وقد جمعوا مع ذلك مكارم الأخلاق وحست معاملة الناس، ومصاحبة هؤلاء من نعيم الدنيا، وأين هم؟ ما أقلَّهم وأندرَهم!


ومن الناس مَن دينُهم متينٌ بما علَّمهم الله، ويخافون ما حرَّم، ويسارعون في الخير، ويقفون عند حدود الله، لكن أخلاقهم ليست كأخلاق الأول؛ فقد لا يقومون بحقوق الأخوّة على الوجه الصحيح، وقد ينالك منهم شيء يؤذيك دون قصد. وهذا الصنف صالح للصحبة أيضًا، ومحبَّته تكون من جهة استقامة دينه، وإن لم يُحَبَّ من جهة اعتدال أخلاقه، وهو أيضًا صنف قليل في الناس اليوم.


ومن الناس من أوتي خلُقًا سمْحًا، ولسانًا عذبًا، مُتجنِّبٌ لقول السوء، مُتحسِّسٌ لمواضع ما يحبُّ الإخوان وما يكرهون، لكنَّه مع هذا رقيق الديانة، مستهين بمزاولة الحرام في نفسه، لا تجد منه غيرة على محارم الناس حين تُنتَهك، ولا مُصارَمة لأهلها. وهذا الصنف وإن أراحك من ناحية أخلاقه، فضرره على دينك كبير وتسرُّب تهاونه إليك غير مأمون؛ فخالِطْه بمقدار، وداوم نُصحَه، ولا تُقرِّبْه من نفسك أكثر مما يجب فتندم.


أما آخر الأصناف، فهم الأكثر، قليلو الديانة، عديمو الأخلاق، أفعالهم مرذولة، وأخلاقهم مذمومة، مثلهم كمثل وجع الضِّرس لا راحة لصاحبه إلا بنزعه، وإلا استمرَّ ألمه، وعظُم كربه.


والمعني بالتديُّن هنا هو التديُّن العملي السلوكي، لا التديُّن العلمي المعرفي؛ فما أكثرَ مَن يعلم ولا يعمل، نسأل الله السِّتر والمغفرة. كما إن المعني بالأخلاق الطبقة العليا من الأخلاق، لا الأخلاق التي يتميَّز بها الإنسان عن البهائم.

والله المستعان.

© By Ahmed AlBalooshi 2017. Proudly created with WIX.COM
bottom of page